موقع محمد أسليــم

 

Le site de Mohamed ASLIM

بياضـــات شيقـة

( جائزة الشارقة للإبداع العربي 2001 )

الديوان : بياضات شـيقـة - الشاعر : بوجمعة العـوفي - الناشر : دائرة الثقافة والإعلام ـ الشارقة ـ دولة الإمارات - العربية المتحدة - الطبعة الأولى، 2001

 

ثلاث خطوات على البياض

( في اتجاه ملامح المدينة والطفولة والأم )

الخطوة : 1. مقام الريبة(نص المدينة)

يتعامد هذا النص مع صوت سركون بولص

في ديوانه " الوصول إلى مدينة أين "

مسبوقا

كعادته

بزوبعة الغبار

أشر وجهها الحجري

لبعض وساوسه

تبين للباطن شفق الرعشة

في احتجابها الأخير !

بنصال مشحوذة

هبط المؤرخون إلى قاعدة الأسرار

حيث قلبها المعدني

يتوسد غربته

يتوسط سيرة الندماء

والمبشرين بزمن الشهوات،

وما يتخصب

خلف الكلام

ورجعه

سوى هذا الشرخ الذي سيتسع

للمزيد من القادمين !

بعد المأدبة

صعد المحاربون بأشلائهم

وحول موائد عالية، مطهرة بالملح

جلس الحكماء يلقنون العميان

لغة الإشارات !

" غبار مقبل تهتز له الأوراق

ولكن لا مهرب "

نضجت

بين الحروف ومنبتها

الأسباب،

لاحت شروط الكارثة

بحبال مسحورة، شرع الحفارون

في اختبار طقوس النزول،

تغص الأرض بغيلانها

والفاكهة

تلاحقها الشهقة ..

فلنهيئ

لمقام الريبة، أغنية الهدم !

ولما تبقى من حطب الجليسة

محرقة النسيان، وشاهدة

نكتب فوقها :

هنا

كان بوسع مدينة أن

تشــيد وجـهها، أن

تنـحته مـن صخــرة

الحلم وتعبر خوفــها

إلى ما دون الــحروب والخطب !

كيف أفجر أوردة الصمت ؟

كيف أهجج عطر الذبيحة

يا سركون ؟

" سافر

حتى يتصاعد الدخان من البوصلة ! "

قد يكفي لاستمالة المنحدر

أن ألقح بيضة الرخ بمـصل

الفراغ ؟

أن أشذر برق الغيمة كي لا يسقط

خارج تاريخه الشخصي ؟

أن أفتت الواجب من رائحة الطين

على غير مناقير الغرباء ؟

أو أهرب، عنوة، ما سيكونه خبل

الـموج في زبد الكلمات ؟

هل تكفي " خضخضة " واحدة

حقا لإزالة ما تجمع في قعر الآنية

من شبهات ؟

" تبني العودة قبرها بشاقول

الفرار، تجد الصرخة نفسها

وحيدة ، إنه يعود مرارا إلى

نفس المكان "

جدير

بالصرخة

أن

تتعمق

أكثر،

أن

تتشرب لوعتها

كي تبلغ شرط الزينة فيك

جدير

بالنشيد

كذلك

أن

يعود

إلى

الأرض !

" أعرف أن الشمس غدا ستأتي

مسحورة بالنوافذ وتعيد إلي

حصتي من الذهب "

يوصلني

هذا الشفق إليك، أو لا

يوصلني؟ عند

المدخل، سأطالب جراحي

باسمي

المجدوع، بأعضائي المسروقة

من

غرف التبريد، بالحب الممنوح

سدى

وبكل الوقت الضائع في مدن

الانتظار!

غدا

أؤاخي الشرخ

بصيغته

وأجمل غروبك أكثر

كي يتعقب شمسه

من سيصعد لاحقا

من جوف الحريق !

" غدا سيعلو الهتاف والتصفيق،

لكن الخطيب لن يبلغ المنصة "

 

الخطوة : 2. سير تتقاسمها الأصوات (نص الطفولة)

سيرة الرحم:

عاريا تماما

وقفت أمام طفولتي

أشتهي الجسد الذي

سأضيعه بعد قليل !

بعجالة،

مسحت بكفي وضوح المرآة

وصوت الرجل الذي يتقمصني

رحت بعيدا أتلمس خلف الحالة

رائحتي،

أبحث في أغشية مقفلة

عن نسب شيده الغبار

عن أسرار امرأة

تشوش أكثر

سيرة هذا الطفل الذي أشتهيه !

سيرة العين:

أول ما فتحت في سير الطفولة :

ذاكرة الحواس،

حافة عيني المظللة

بتباعدات السواد،

هنالك كان أبي بمصاحفه الثقيلة

يقرأ خاتمة الكون

يرش نساءه بالسماق

يعبث ــ منتحبا ــ بأصابعهن الشهية

ويعلن أن القيامة قادمة

لا محالة !

من ثم

تحمل سيرتي

صيغة هذا الترقب،

وصوت أبي العميق ..

المحكوم كنبرته

بعنف نهايات محتملة !

سيرة اللسان:

ــــــ اقرأ

زينة لوحك بين يديك

وسم ـــــــ

بفاتحة القول صباك !

ـــــ ختمتك الأولى ستكون رباطك

بهاءك بين الناس حجابك عند الرجة

يوم يجازى المرء فقط ــــــــ

بـما كسبت منه السيرة من صـبوات !

كذلك قال أبي

وهو يغادر ذاكرتي،

يغرقها بلغات غامضة

برنين

يتوحد فيه الماء

ولساني القادم من أمداء

لا أعلم وجهتها !

سيرة اللذة:

( بوصايا اللذة

أعبر نحو الجهة المجهولة

من لغتي

لا أدرك في النهاية غير قبور

الشعراء ! )

في الطريق إلى الجنة،

مررت بأسلاف لي

يتسلقون جبالا من النزوات

ومسلة من كلمات ..

كانوا بين السقطة والأخرى

يمسحون لعابهم

بأعضاء نسائهم

ويبحثون بين مفارخهن

عن لذائذ لم تكتشف بعد !

ــ لوعة الجسد يعمقها الكلام !

بذلك كانت تهمس لي

كل سلالتي التي التقيت بها

في جنة الرغبات !

ما قبل الطفولة:

( قبل الطفولة،

حلمت بصوت أبي يطردني

من جسده )

في

مفترق

الصرخة

اقتربت

من يد أم لي

كي توقظني من وسن الأحقاب

وتزود أعضائي المرجانية بما يكفي

من صخب التضاد،

كنت ساعتها

حديث العهد باسمي

منتشيا بسبات العالم

تغمرني لذاذات الماء ..

ولم أتبين إلا بعد السفرة أن الجسد الذي

أتيت به من ورق اللذة :

جسد من كلمات

منذور لتحلله

لـ .. ب .. يـ .. ا ..ضـ .. ـا .. ت

لا يجمع سيرتها غير وجوب التمرين !

( ثمة

رجع ما

في غابة هذا الجسد

يوشك أن يعصف بي ..

ثمة صورتي

تفتح بابا للخلاء!)

شلوا

شلوا

سقط

الطفل

بسيرته

في مشرحة الأصوات!

 

الخطوة 3 : وجه بضروب التخمين ( نص الأم )

أم في مرتبة الظل:

كيف هوت

يدك البعيدة

من قمة هذا الآتي

قبل أن يدركني الدوار ..

وتختار يدي

من ستفاوض في وحل القرابة ..؟

من سأرقي في قائمة الأنساب

إلى مرتبة الظل :

صرختي

أم دم الغائبة ؟

لم يعد لعبيره

غير هبوب المساء !

(كما الموتى

يذهب كل بمفرده إلى عزلته

ولا أحد

يصحب في الطريق أحدا!)

أم خارج منطقة الرثاء:

لن أجرح ظلك

في مرثية اللسان

أكثر مما ينبغي

أو أجمل مما توجزه الزفرة في جسدي

المنقول إلى كل الأمهات!

لدي من العزلة

ما يكفي لردم المسافة بين

اشتياقهن،

لدي من النساء ما يوقظ

شهوة القلب

ولا

واحدة !

(وجهك

يسقط

دائما

خارج

منطقة الكلام!)

أم ظنية الاسم:

لي

مثل ما لك

من خطايا الأرض

وما للملائكة من شرود،

ما للعالم من أوصاف يورثها الهذيان

لمن يجيء من الأطفال ..

.. وحده اسم الأم أبرئه

من هذا الألم الذي يعلق

بتلابيب العالم كل صباح !

وجهك ممحو

عن آخره ..

مشطوب حتى من سيرته التي

قد تقود القلب إلى شبهك ..

فكيف

أركب صورتك

بعين

يتناسل فيها الفراغ ؟

أم بمقاس الكلمات :

متى

حولني الشوق إليك

وطاوعني نزق الطفولة،

لذت بأقبية الحلم

أقطع جذعك من أخيلتي

أو

مما أشاء من الأجساد،

أما وجهك

فمن الصعب تمثله بملامح

تقنعني

أنك أم لي !

يتشظى مثل صدى الثرثرة ..

تترسخ لي

صورتك الحلمية :

أم

بجسد متغير

ووجه عصي على القبض !

متى

حرقني الاسم المسبوق بوقع الفقد،

عدت إلى لغتي

وصنعت لنفسي أما بمقاس الكلمات :

أنثى

لا يدرك صيغتها الموت !

تماثيل من ضياء :

عند المساء

سيحملك النجم بعيدا

وستهبطين مراقد الموتى

حافية القدمين،

من غير طقوس الزينة

ومن غير جناحين ..

ويرفرف بالمكان قليل من رائحتك،

يهدي العابرين إلى

مرتفع

كانت به، منذ برهة :

تماثيل من ضياء !

 

 

L

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ النشر 27 ينايـر 2002.