أحمد سواركـة

الفقـــد

شعر 

 

ـ 1 ـ

لنْ تشيخي ...، فأنتِ أُمٌّ طويلةٌ تمنعينَ البردَ والوهنْ

تظهرينَ في وطأةِ الساعاتِ، فتنقذينَ وجهي مِن غياهبَ قاسيةٍ .

ولاأزالُ أقذفُ بجسدي في أماكنَ المرورِ المتعجِّلَةِ، تلك التي بهرْتِيْها، وأظلُّ ماطراً كسماء .

أمَّا اللّحظاتُ العَصِيْبَةُ فصليبيَّةٌ، ولاتتركني إلاَّ ناهجاً في غُرفِ الحنينْ .

ميتٌ أُراقصُ شبحي في الشهورِ العاريةِ، فرفَّةُ القلبِ تذوبُ مِني كلَّ مساءٍ في هوائكِ، ويصادفُنِي عَتْمٌ قاسي عندما ألِجُ فوَّهةَ الوِحدةِ بدونكِ .

وفي الأمامِ، تتعثَّرُ الأيَّامُ بطيبةٍ، تنقِلُ عني عزوفاً رباني، كانَ يُقَسِّمُ الوقتَ أنصافاً أنصافاً، ولا يعيرُ لغيرِ أيامكِ مِنها شيأً .

أتَكَثَّفُ في وعاءِ روحي، وأفتِّشُ حقولَ الرَّغبةِ البعيدة .

أسرقُ مِن جداولَ الخُلْوةِ مايجعلُ الماضي بعيداً ولايعود، فيكونَ الفَقْدُ ببشاعتِهِ الرَّاصدةِ لكلِّ حوْلي .

أتعثَّرُ في شقوقِ الورطةِ بلا خطواتٍ ... أصيحُ على فراغاتِ الحجرةِ منسياً في الظَّلامِ، فيَهْرَم السَّقفُ، وينوءُ وجهُكِ في الدروبِ بعيداً..... وعزلةٌ تتملَّكُ بكائي، إذْ أنْ

اللَّيلَ / الليالي لنْ تَعثرَ فينا على أحد .

ملغوماً بوجهكِ الفائزِ، أراشقُ ببقيَّتِي نجوماً تسلَّلتْ مِن غيومٍ وئيدةٍ، وأعبثُ بما يُسمَّى سريري المُعَّلقُ بينَ رمادي

والملامحُ الساريةُ مِنكِ ... أُداعبُ إسفلتاً حقيقياً مِن الهواجسِ،

ثمَّ أرنو إلى شهقةِ الرّيحِ في النافذةِ : [ علَّهُ انتِ ...علَّهُ ...]

ويموتُ ربيعٌ آخر، تابعتُهُ في صمت .

ـ 2 ـ

والآن كي أتأكدَ تماماً، عليَّ أنْ أنامَ، أعطِّرُالوسادةَ بما جعلني غيرُ قادرٍ أنْ أفكَّ أسناني منكِ، لكنْ تبدأُ جلداتٌ عصبيَّةٌ، وتُنقِّي ما حولَ عظامي من الرَّاحةِ، لأراوح خيطِ النورِ بلا صوتٍ، أو أنَّ اللَّيلَ مازال جاثماً على هيئتيْ التي أقذفُها بعيداً كي أتخلَّصَ من شيءٍ ما، وأراكِ .

تمتَّعْنا قليلاً

إذاً، لماذا يحدثُ الآنَ ما يحدث ؟

لماذا تندفعُ في صمتيْ بعضُ أصواتٍ هَذَيناها ؟

ألمحُ في شبحيْ طقساً يغيمُ، ألمح قمراً تأخذيْنَهُ في كفِّكِ ثمَّ تفسِّريْنَهُ للطرقات .

عنيفٌ ما يجرحُ الداخلَ، بعيدةٌ مازالتِ الوسادةُ، أتأمَّلُ فيها أحاديثَ الليلِ واليقظاتِ المُفاجئةِ من أحلامٍ لا أتذكَّرُها في الغالبِ، لكنَّني مثلُكِ سأفسِّرُ بعضَ الأحلامِ بجدِّيَّةٍ :

( الباصُ الرَّهيبُ يحملُ نساءً برؤوس كانتْ كلّها رأسكِ وتطلُ من نوافذهِ امرأةٌ واحدةٌ، وبأبتسامةٍ طويلةٍ كانتْ تودِّعُني .... إنَّني أعرفُها )

( المباني المهجورةُ في مدخلِ الصحراءِ، والجبلُ الذي يزحفُ ببطءٍ ...

لماذا أنتِ خلفَ آخرِ مبنيً تتوارينَ في فستانٍ لمْ أشاهِدُهُ

عليكِ ...

يبدو أنَّنا خلفَ المبني تبادلنا شيئاً ممنوعاً وإلاَّ لمَا استيقظتُ خائفاً وحولي رائحةٌ منكِ )

( وفي مرةٍ كانَ الطريقُ صاعداً صاعداً وأنتِ تزيحينَ غيوماً عن وجهِ أبيكِ، لمْ أعثرْ عليكِ، فقدْ غمرني مطرٌ غزيرٌ لذا جلستُ أجفِّفُ ماءً عن وجهكِ، وعندما استطعتُ أنْ أزيحُ الثلجَ كلَّهُ، ابتسمتِ، فطرقَ البابَ شخصٌ أصبحتُ أعاتبُهُ في سرِّي كلَّ صباحٍ )

( فانوسُ الإضاءةِ الذي كسرتيِه، وعندما أضاءَ جسدَكِ المسافةُ الفارغةُ فيما بينَ السريرِ والنافذةِ، سمعتُ منكِ نداءً، فركضْنا خلفهُ حتي اختفينا ... ) .

ـ 3 ـ

ظهيرةُ يومٍ حارٍّ تَفَقَّدتْني، إذ كنتُ مع سائقِ اللندروفر نطاردُ في الصحراءِ أحلاماً بعيدةْ . السفوحُ الملأى بذكرياتٍ لمْ نعثرْ عليها كانتْ على مقربةٍ من قلوبِنا، والعَرقُ الخفيفُ لا يستطيعُ أنْ يشدَّنَا بما يكفي لنلتقيْ في المنتصفْ، وقدْ تأكدنا أنَّنا لسنا في ليلةٍ بنجومٍ كثيرة .

العلاماتُ القاسيةُ، هى يداكِ عندما ترتجفُ، كنتُ أحسِّها وأنا أشعلُ ثقاباً لوحدي، مررتُ عليها بالفضاءِ الذي تكوَّنَ من أقصى جبلٍ إلى أقصى جبل، وكان دويٌّ بعيدٌ لعرباتِ صيدٍ يخلعُ على الصحراءِ مهابةً أظنُّ أنها لشعورٍ بالوحدة .

هكذا عطشتُ، وهكذا تشكَّلتْ النارُ كما شفتيكِ، فشربتُ وأنا أحسُّ أن لهباً قويَّاً عليهِ أنْ يتأثَّرَ بنا، فيحترق . كانَ كلُّ الذي بيننا يحدثُ بدونِ خوفٍ، لإنَّنا من ظهيرةِ قرنٍ مضى تعارفْنَا في مكانٍ قصيٍّ، ها نحنُ لم نبرحَه على الرَّغمِ مِنْ أنِّي هنا أفتقدُكِ

ـ 4 ـ

ـ أ ـ

البعيداتُ …، تلكَ سحاباتٌ تأخذُني، تشدُّني في أعماقي كي أعثرَ عليكِ وأنتِ متلبِّسةً بالغناءِ، وبعدَ هناءٍ طويلٍ فقدنا المساءَ الذي تشابكتْ فيهِ أصابعُنَا ثمَّ ضعْنَا في غاباتٍ من

الليل .

دائماً أصنعُكِ من أشياءٍ كثيرةٍ، دائماً أمنحُكِ للدروبِ التي تقْفِزُ، حتى وأنا جالسٌ أنتظرُ الدمع .

لكنَّ الذي يتَّضحُ دائماً أمامي أينما ولَّيتُ أستطيعُ تفاديه، إنَّهُ يتعلَّقُ بما شاعَ في قسماتِ وجهكِ من أمومةٍ، حينَ كنتِ تشْكِينَ مِن خوفٍ داخلي تملككِ لتسعةِ أيَّام دونما سببٍ . لمْ تكنْ مجردُ شكوى، كانتْ وجهاً يفسِّرُ ذاتَهُ ويهاجمُنِي بلا مقدماتٍ، وأنا إذ كنتُ أتلاشاهُ فلا يعني هذا أنَّني لا أحبُّهُ بل كنتُ أخشى أنْ أفْقِدَه، لذلكَ، كنتُ أعبرُ الطريقَ الذي أتذكّر ذلكَ فيهِ مراتٍ عديدةٍ في الوقتِ الذي تكونُ الشمسُ فيهِ لم ْتناهز الظهيرةِ،

ثُمَّ أعودُ بعرقٍ غزير .

ـ ب ـ

عرفتُ : لا يوجدُ مكانٌ آمنٌ غيرُ وجهكِ آنذاك، كانَ قديراً، يتدفَّقُ بلا مخطَّطاتٍ، جرَّبتُه في الليالي الموحَشةِ، فكانَ غَروراً يهاجمُ كلَّ شيءٍ، لذلكَ أستطيعُ أنْ أُفسِّرَ الآنَ لماذا تندفعُ كراسي الحجرةِ مراتٌ عديدةٌ عندما يكونُ عِندي في هالوكةِ الوحِدةِ، أو لماذا تنفتحُ النافذةُ من تلقاءِ نفسها ليطلَّ ذاتُه بحنانٍ بالغ .

أعرفُ مدى الرغبةِ فيه، أستطيعُ أنْ أُحدِّدَ خواصَّ الفمِ والشفتين، كذلكَ وفي مقدوري أنْ أعرفَ ما تعنيهِ

ال ( REM ) لَكنّي أعترفُ أنْ المقياسَ الحقيقي هو ليسَ هذا، بلْ هواءٌ كانَ هو المقصودُ، أنتِ تبحثينَ عنهُ بعينيكِ وقدْ كنتِ متأكدةً أنَّ مكانه الحقيقي قلبي ( هكذا قلتِ ) .

أناسعيدٌ بعقائدكِ الجديدةِ، سعيدٌ بصيغةِ إيمانكِ القويةِ، لذلكَ لا أستطيعُ أنْ أردَّ لكِ شيئاً، ولا أستطيعُ أنْ أتخلَّصَ منْ يديكِ إذ كانتا تطوِّقاني بلطفٍ،

وتردِّدينَ في كلماتٍ متقطِّعةٍ ( المصيرَ ـ المصير ) .

سماءٌ ترتفعُ بكاملِ اسرارِها، سماءٌ وقد كانتْ تعترفُ بالكثيرِ، أعرفُها منذُ الشهورِ الباردةِ، وفي أحيانٍ أُحَمِّلُها ما لا تستطيعُ، لإنَّها بحنانٍ ولطفٍ تَذْرِف معي الدموعَ في الحجراتِ الخالية .

والليلةٌ، بي ما بالسماءِ، ولا يمكنُ الهدوءَ هكذا دونما إعادةٍ وافيةٍ لبعضِ الشَّوقِ أو الأماكنَ حين تفاجِئِيْنَها

أولاً : في عربةِ الصباحِ المبكرِ قطعتُ مسافاتٍ طويلةً في إتجاهِ الشّمسِ، لقد كانَ العثورُ عليكِ من بناتِ المستحيلِ، شاهدتُ الشواطئَ البعيدةَ في خاطري وتنفَّسْتُ رائحةَ الهواءِ البرِّيْ حينَ في الصباحِ ذابتْ قطراتٌ منَ الندى وزحفَ منَ الشّمسِ شعاعٌ أيقظَنَا .

يداكِ بطولِهما المتناسقِ يقشِّرانِ أوراقاً معروفةً لدينا، في حينِ كنتُ أنا أجمعُ الأغصانَ في كومةٍ واحدةٍ، لإنَّني شاهدتُكِ فجأةً منْ بعيدٍ وأنا في الحبِّ، وبعدَ أنْ تأكَّدنا منْ أنَّ الحرارةَ تكفي، أشعلنا نارَ صديقاتِكِ في المكانِ المناسب ِوتوترتْ أصابعُنا لكي يطرأَ على الصحراءِ صوتُ آلةِ

العود . بمهارتكِ غنَّيتِ، وبمهارتكِ أنا غنَّيتُ لأنَّ نظراتِكِ المثيرةَ تتنقَّلُ من بابِ قلبي حتى ذاكَ الصوتِ البعيد .

ثانياً : تَتَابَعْنا والبردُ بردٌ، حفظتُ أسماءكِ الجديدةِ ....

وإذ تشابكتْ أجنحةُ طيورٍ فوقَنا تبادلْنا كلماتٍ رومانتيكيةً لكنَّها لمْ تسعفِ الأمورَ بشيءٍ يُذْكَرُ، الذي أنقذنا آنذاكَ هو الصمتُ، نعمْ، تدافعْنا فيهِ مثلَ نازحي الحروبِ، ومن ذاكَ اليومِ لا أدري بأيِّ المجراتِ توزَّعْنا

صارَ فينا شوقُ أنْ نعودَ

لكنَّ الدروبَ التي فينا لمْ تكتملْ بعد،

تتبعناها نبحثُ عنَّا

لقد احترقتْ أصابعُكِ بطريقةٍ ما، حينَ كنتُ أتابعُ باهتمامٍ كيفَ أُسمِّي النجومَ باسمائكِ

لمْ يحدثْ شيءٌ

حدثَ أنَّ أنفاساً متعبةً كانتْ تتردَّدُ بيننا وبينِ السماء .

***

ينبجسُ في أعماقي مايكفي مِنَ الحنين .

تنبجسُ ليلاتٌ صافيةٌ، كانَ قد مَرَّ عليها الخريفُ مملوءاً بالتهيوءِ . ولاشئَ يبرحُني، لاشئَ يستطيعُ أنْ يعيدَ ماحدثَ للمكانِ، حتى وأنا أحاولُ، تهيَّأتني دموعٌ كثيرةٌ ومُتعِبة.

كنتُ أستردُّ نفسي مِن الفراغاتِ الشاسعةِ، أدحرُها نحوَهُ، وعندما أصلُ، أتبيَّنُ ـ بيقينِ اللَّهِ ـ أنَّ اللّحظاتِ التي غافلتْنَا فيهِ ( المكان ) هامتْ بعيداً، وتركتْنَا معهُ نتَذكَّرُ

وفقط .

أعضُّ على الشفاهِ الميتةِ، وأستبيحُ مساحاتٍ شاسعةٍ مِن الهاويةِ لكي أصادفَ نجمةً تَدلُني عليكِ .

***

معَ النجومِ ...

معَ المطرِ ...

ذلك، لكي أضيْعُ ـ مِن تلقاءِ نفسي ـ في جُزرِ الحنينِ التي دفعتيْها والمستحيلُ يتدفَّقُ في وطأتهِ .

سحبتِ صيفاً كاملاً في همسةٍ واحدة .

والمشاهدُ التي أعادتْ لي الفقائدَ كثيرة .

تأمَّلْتُ فضائي طيلةَ الوقتِ كلِّه، ولم أشعرْ إلاَّ باغترابِ حاد ... ( كلانا غريبان ) .

ففي ما كانَ يرتجفُ في عِروقي الداخليةِ : وجيبُ قلبكِ يحيا مثلما كانتْ أوَّل الحياة .

وأتبينُ :

( عشرينَ يوماً فقدتكِ عبرَ مَهَمْاتِي الغيرِ شرعيةٍ، عبرتُ في ليالٍ شتويةٍ ـ برفقةِ وجهكِ ـ كلَّ الشواطئَ والأقمارَ، وأنهكتنِي المقامرةُ، فصرتُ لاأعرفُ الأشياءَ إلاَّ بانطباقِها على شئٍ منكِ، تَعَذَّرتْ الصِّلاتُ بيني وبينَ ما

أرَى، فحيناً كُنتُ أُسمِّي الأشجارَ باسمكِ، وحيناً كُنتُ أُغافلُ النحيلاتِ لأعرفَ إنْ كُنتِ إحداهنّ .

تَمَلَّكنِي الهروبُ الدائمُ إلى علاماتٍ كنتُ أحنُّ إليكِ عندهنَّ، وصادفَنِي حزنٌ متدربٌ، كنتُ لاأدفعهُ إلاَّ بليالي

ابتساماتكِ الغيرِ مُستعملة .

***

مشقةٌ تبدأُ أعمالَها فينا، وعندما أصيرُ صبوراً كما يجبُ، لاتصبحِ المسألةُ متعلقةً بكِ، فكلُّ ماطالتهُ الخيالاتُ يبدأُ، فأشعرُ أنْ بي حاجةً لانهائيةً لِفعلِ شفتيكِ في غيبةِ

النور .

تماماً، وبقدرِ الفسيولوجيا، يأخذُ كلُّ شئٍ وضعَهَ الحقيقيّ ( والذي لايبدو لي مُريحاً) ... حينها أتنفَّسُ مِن

النافذةِ، عاجزاً عَن فِعلِ أيَّ شئ، مُتلذِّذاً بلحظاتٍ هي ليستْ رومانتيكيةً، بلْ لحظاتٍ تُضئُ لي مشاهداً لا تَثْبُتَ على شئٍ،

فأتيَقَّنُ أنَّ السمواتِ بعيدةٌ مِثلَ كُلِّ الأمور .

لم أقرأْ لكِ مِن خَلوةِ العناءِ شيئا . الذي حَدَثَ: أنَّني كُنتُ

أُداعبُ بعضَ الورودِ وأنتِ تتكلمينَ، فاضطَّربَ بذلك الصمت، وخطونا في متاهتِنَا الأمينةِ، تَمَلَّكَنا ما لايسعفُ،

ولمْ أتعلَّمْ كيفَ أقيسُ وحدتي بطولهِ، لإنَّكِ شهيةٌ ولاتعرفينَ الخرائطَ التي نبَّهتِ الذاكرةَ في أعماقي .

العِبَاراتُ القاسيةُ للعاطفةِ كانتْ بِحوزةِ كلانا، مِثلَ سكِّينٍ يقضي جميعَ أوقاتِهِ في العملِ، لأنَّنا نبتكرُ خطواتنا بلا رحمةٍ، وندوِّنُ في مشهدٍ غيرِ خيالي :

الألمَ أبعدَ مِن أنْ نتعرَّفَ عليهِ

الألمُ رقيق .

وتعاونتْ أشياءٌ كثيرةٌ كي تثأرَ مِنا، على أنَّنا لسنا المَعْنِييَنَ، فحديقتُنا تتَّسعُ لنباتاتِ الظلِّ، وبعضِ المحاراتِ العتيقةِ، وفي كلِّ يومٍ لاترنو عيونُنا إليها، بلْ ننظرُ بدونِ أمل :

فالبعيدُ البعيدُ مُستغرقٌ فيما إذا كُنَّا نحلُمُ أم نفكرُ في

البكاء .

***

أحـومُ حولَ أشباحكِ كطفلٍ هجرتهُ أمُّهُ، أحومُ وفي قلبي حنينُ الرعاةِ الأولينَ، فبعدَ قليلٍ سأتأكَّدُ أنَّ الرِّقةَ البالغةَ

تُعَذِّب .

والعتماتُ الجليلةُ تداخلتْ مع المطرِ، وأنا مازلتُ أبحثُ عن روحكِ العَصيِّة .

ولقد صادفتُ الطريقَ حولاً فحولا، ولم أعثرْ على شئٍ،

فقط روائحٍ وخيالاتٍ، صرتُ أهِمُّ بقصدها كلَّ مساء .

ومازلتِ بوجهٍ لايهدأُ، وسرحةٍ غافلةٍ، لاتُذعنُ إلاَّ لفضاءٍ هائلٍ، أو لما حدثَ في الطريقِ العابرِ، عندما حلُمْنَا

بشئٍ غيرِ مقصودٍ، فانفصلْنا، وتاهتِ الطريقُ ...

كُلُّ ذلك يحدثُ الآنَ، وأنا أستيقظُ في صبيحةٍ لاأعرفُ

إنْ كانَ سيصادفُني مِثلُها مِن الحنينِ شيءٍ بعدَ ذلك أمْ لا ...لقد تَعرَّتِ المسافةُ في أيَّامنا، فابتعدنا، وماتتْ النَّبضات فينا .

* * *

فصولٌ جديدةٌ تمدُّ أعناقَها للغيمِ

وأنا ـ بفضولٍ ـ أحاولُ تنبيهَ أعصابي من غفوةِ الضواحي،

لتنجذبَ الاعوامُ من أطرافِها ونتغازل .

فالوجوهُ التي تَصُفُّ نفسها بِحِيْرَةٍ، وجوهٌ تغيبُ ... تضعُ السماءَ في مأزقٍ أمامي، فلا أجدُ ـ عند ذلك ـ مفراً من اضطراباتِ عينيكِ إذ تُحَمِّلانِ الأمورَ بُعداً مبهوراً بالواقعِ، ثُمَّ ـ في غيرِ اضطرارٍ لإنْ تكوني تلقائيَّةً ـ أراني في حزنٍ يمتدُّ من ذاتِ العينينِ، فنحاولَ أنْ نبكي، نحاولَ أنْ نعلِّقَ على غرورِ العثراتِ بالتهابٍ حميم .

أقصدُ أنَّ عامينِ عبرا بهدوءٍ، وأقصدُ أنَّني الآن في انتكاسةٍ زارتني منذُ الصباح .

بحَّاراً أنْهجُ في خلجانِ الله ... مبلولاً بحنانكِ الذي يشاغلُ قصدَ المدى عندي، وقصدَ الحريرِ المُجهَّزِ بكثافةٍ حولَ

ساقيكِ .

إنَّني في عملٍ جادٍ منذُ الصباحِ، أصنعُ لكِ قيوداً من الخواطرِ، وذلك، لكي لا أكونَ عاطلاً في المساءِ ( حيثُ بإمكاني أنْ أجدَ عملاً وهو : تقطيعُ تلكَ الخواطرِ

بتأنٍ شديد ) .

***

الحُبُّ مُرشدُ العصورِ التائهةِ ... إنَّني على أسوارهِ، أنوءُ بأعمالي التَّافهة .

* * *

مربعاتٌ من الحنينِ

تظهرُ

وتحتَها أزْحَف .

عليلاً أسْتَقْدمُ الغيومَ بنهمٍ

وأُفتِّشُ في أسراري عن محيطِ خصرك .

والآن، في سمائي بعضُ الضمورِ

في سمائي بعضُ الخريفِ والأغنياتِ الهادئةِ

لذلك، أحاولُ في أجزاءِ اللَّيلِ المتأخِّرةِ أنْ أقتربَ قليلاً من شهوركِ، محزوناً أو هائماً، فالتي تُغَيِّرُ دموعي زهورٌ لا تختلفُ مع خطواتِكِ .

كأنَّني أبوحُ ...

مفتاحُ الليلِ في قلبي، مفتاحهُ في شفتيكِ ....في صوتكِ، صوتكِ القادمُ من معجزاتهِ الغيبيَّةِ، يبدِّدُ الأوقاتَ السَّيئةَ، فيمتدُّ الحبُّ، خارجاً للضباب .

أكونُ معكِ : غسقاً أو زجاجاتِ فودكا ....

نمضي نحوَ جزرٍ تغرقُ، كي يغسلُنا الصمتُ في هدوء .

***

شيءٌ يملأُ الدنيا

ضئيلٌ وغيرُ معروف .

الشَّجرُ يرقصُ حولَه .....، يبكي ....، والموسيقى تعترفُ بصمتِها، كما أنَّه في شيخوخةِ الطرقاتِ داستْني أحلامُكِ . عرفتُ الهجوعَ، ومررتُ غيرَ عابئٍ من تلك الطرقاتُ . كأنَّما الأغاني حنينٌ يحصدُ قامةَ المستحيلِ، والحزنُ المهذَّبُ لا يلتزمُ بشيء .

غارقٌ في مأزقِ هيئاتكِ الشاملةِ، أُحَمِّلُ أسراري أكثرَ مما يجبُ، وأمضي بعيداً .... بعيداً

علَّني أعثرُ على أنفاسكِ .

 

 

موارد نصيــة

أحمد سواركـة

هواء سـري (شعـر)

المحتــوى

الدمـوع المبكـرة

المكـــان

الفقــد

أبعـاد غير مضمـونة

الغـرائر المفكـوكة

مساحـة ضيقـة

الرجفــات

 

جماليـــات

إضـــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.