رتَّبا المساءَ
إذن على النحو الذي
يليقُ
بشاعريْن.
يمكنُ
لشاعرٍ
أن يشقَّ البحرَ
بخنصرِه
يروِّضَ
المعاركَ ،
يلهو بقطعِ
الكونِ فوق طاولتِه ،
ثم يُخرجَ
من جيبِ سترتِه حفنة شهبٍ
ينظِمُها
عُقدًا لامرأتِه.
وحدَه
الشاعرُ
من أقنعَ التاريخَ
بالتنحّي.
رتَّبا
المساءْ ،
بعدما أغلقا
النافذةَ
على
الصواريخِ ذاتِ الرؤوسِ،
وأقدامِ
المارينز صوب دجلةَ ،
أغمضا عن
عيونِ الثكلاواتِ
لأن
الخنساءَ
لم تقرأْ
"سوزان برنار" ،
وآذارَ
وقتُ
الحياةْ.
قالَ
:
لنا
جبهةٌ أخرى
:
ساحةُ
الورقِ
و طلقاتُ المدادْ
،
ثم إنَّا من
نشجبُ القراراتِ
وننددُ
بخرقِ معاهدةِ جنيف ،
عدا فائدتنا
في استشعارِ
الخطرْ
على قولِ"
عبد الصبور
"
حين قارنَ
بين الفئرانِ
وبيننا.
ثم قرأ
قصيدتَه.
قالت
:
لأني أمتلكُ
حدسَ الشعراءِ:
فإن معركةَ
التحريرِ النظيفةَ
ستغدو
احتلالاً
بعد واحدٍ
وعشرين يومًا ،
ولأن شاعرًا
نصفَ كلاسيكيٍّ
قال قولةً
أحببتُها ،
و لبعد
الحداثةِ
أن تتفوقَ
بحسِّها الحياديّ ،
وبما أن
عشراتِ الدواوين ستُكتبَ ،
أبادرُهم
قائلةً:
للعرافةِ
في آخرِ
وادي النطرونِ
رأيٌ آخرُ
قالتْ
:
قولي
لصديقكِ أن يأتي في الليلِ وحيدًا
و اعطيهِ
الورقةَ مطويةْ
:
إن أنتَ
أوغلتَ
بموصلَ حتى النبعِ
و زرفتَ
الخبزَ الجافَ على الأطيارْ
و مددتَ
الحزنَ الكامنَ في الأعماقِ و في بابلَ
لانشقَّ
البحرُ عن الحوتِ
و لجاءتْ
مريمُ و الأحبارُ وجلجامش
و لجاءَ
الخضْرُ وعشتارُ
و لزحفتْ
مملكةُ النملِ بركبِ الملك سليمانَ
إن أنتَ
أفرغتَ
القلبَ من الأوجاعْ
و نظرتَ
هنالك
صوبَ النهرِ
الشاهدِ مذبحة الأمسْ
و قبضتَ
بقبضتِكَ
حفنةَ رملٍ
ملتاعة
فتعالَ أنتَ
ورفقتِكَ
أقرئُكم
سِفرَ الأنباءِ
و أريكمْ
أن الحزنَ
سيكمنُ طولَ العمرِ بأجيالٍ
غفلتْ عن
طعنِ الظهرِ من الأعداء
و راحتْ
تبحثُ عن موتٍ
لا يشبه
موتَ الكهفيين
بل موتُ
الحرفِ على الشفتين
أو موتُ
القلمِ على الورقِ.
فتعالَ وقل:
"إلى بغدادَ
طريقٌ واحدٌ
يَمرُّ من
فوهةِ
قلمْ
!"
أنهيا
القصيدتين
.
افترشا أرضَ
الردهةِ
ببساطِ
كرداسةَ ،
غلَّفا
الحيطانَ بالأفرخِ الزرقاءْ
و إصداراتِ
العامِ الجديدْ ،
أحكما
عوازلَ الصوتِ
و أعدّا
المقاعدَ للأوركسترا
.
بائعُ
القناديلِ وفيروزْ
تورطّا في
الأمرِ سريعًا ،
فتحدثَ
النِّفَّريُّ
عن اتساعِ
الرؤيةِ وضيقِ التنفسِ ،
بينما
استسلمَ ناجي للرَمَلِ
و أطلالِ
الموصِلِ وقَسوةِ الحبيبةِ وحزبِ البعثْ ،
و اعتذرَ "
أبو نواس " عن المجيء.
يتكلمونَ عن
الاثنين وثلاثينَ إنذارًا
وقرارِ نزعِ
السلاحْ ،
والبنتِ
-
ذات الـ تي
شيرت الأحمرْ
-
التي
دهستْها الشاحنةُ قبل يومين ،
أمامَ مجلسِ
الأمن.
يتكلمونْ
عن المرأةِ
التي التقطتْ حبيبَها
من جوارِ
السفارةِ البريطانيةِ ،
ليبتكرا
مساءً
يخصُّ
الشعراءَ وحسبْ
.
مساءً
أجادَ صنعَه
المدعوون
المقاعدُ
الخاليةُ ، و الأبنوديُّ
بياعُ
القناديلِ وسجادُ كرداسةَ ،
و الألمْ
.
وحدَه "
نصير شمّة
"
من أفسدَ
الخُّطةَ ،
إذ اعترضَ
على اختيارِ هذا المساءِ تحديدًا
فحذفَ نصفَ
النوتةِ
ردًّا
على قصفِ
بغدادْ
!
مكانٌ آخر /
20 مارس
2003
|